ولقد أرانا الله تعالى من عجائب آياته ما يكون آية للموقنين وعبرة للمعتبرين. لقد أخبر الله عن عيسى بن مريم أنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، فيأتي إلى الرجل الميت ويأمره فيحيا ويتكلم ويخرج الموتى من قبورهم بإذن الله.
وقص الله علينا في سورة البقرة خمس حوادث كلها في إحياء الموتى فقال تعالى في قصة بني إسرائيل:
وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم [البقرة:55-56].
وفي قصة القتيل الذي قتله ابن عم له واتهم به قبيلة أخرى فأمرهم موسى أن يذبحوا بقرة ويضربوا القتيل ببعضها فيحيا ويخبرهم بقاتله:
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون [البقرة:73].
وفي قصة الذين نزل بديارهم وباء فخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذراً من الموت وفراراً من قدر الله، فأراهم الله تعالى أنه لا مفر من الله ومن قضائه:
فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [البقرة:243]. ليستيقنوا أنه لن يعجز الله أحد في السموات ولا في الأرض.
وفي قصة الرجل الذي مر على القرية وهي خاوية على عروشها مهدم بناؤها يابسة أشجارها هامدة أرضها فقال: أنّى يُحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه، وكان معه حمار، وطعام، وشراب.
فأما الحمار فمات وانجلى لحمه وجلده وبرزت عظامه تلوح، وأما الطعام والشراب فلم يتغير مع بقائه هذه المدة الطويلة في الشمس والهواء فقال الله لهذا الرجل:
فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه أي لم يتغير:
وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً [البقرة:259].
فنظر إلى عظام حماره ينشزها الله يركب بعضها فوق بعض كل عظم في محله، ونظر كيف يرتبط بعضها ببعض، ونظر إلى اللحم يكسو هذه العظام فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير.
وفي قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين سأل الله تعالى أن يريه كيفية إحياء الله الموتى قال له:
فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك أي ضمهن وقطعهن أجزاء:
ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ليتباعد ما بينهن ففعل ذلك ثم دعاهن فالتأمت أجزاء هذه الطيور كل جزء من طير إلى جزئه وكل ريشة في مكانها حتى تكاملت الطيور بلحظة وجاءت إلى إبراهيم تسعى وكانت رؤوسهن معه فاتصل كل جسم برأسه الذي خلقه الله له قبل ذبحه.
لقد أرى الله ذلك عباده في الدنيا وأخبر أن بعث العالم كله بعد موته هيّن على الله تعالى:
ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [لقمان:28].
وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم:27].
يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده [الإسراء:52].
ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [الروم:25].
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضزون [يس:53].
فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات:13-14].
هذا الخلق كله من أوله إلى آخره صغاره وكباره ذكوره وإنائه إذا أراد الله بعثهم دعاهم دعوة واحدة فخرجوا جميعا لا يتخلف أحد منهم يقول المجرمون منهم: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فيقال هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون.
ومن آيات الله ما ذكره البخاري في صحيحه أن رجلاً نصرانياً أسلم في عهد النبي
وكان يكتب للنبي
ثم ارتد نصرانياً فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له. فأماته الله فدفنه أصحابه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فحفروا له وأعمقوا، فلفظته الأرض مرة ثانية ثم حفروا له وأعمقوا ما استطاعوا، فلفظته الأرض مرة ثانية فعلموا أنه ليس ذلك من الناس، فتركوه منبوذا على ظهر الأرض.
فآيات الله كثيرة وقدرته عظيمة فاعتبروا أيها المؤمنون واتقوا من هذه قدرته وهذه آياته لعلكم تفلحون:
أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً .